34/11/03


تحمیل
 الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 الاحتمال الثالث:- أن نستصحب الحكم المشروط والحرمة المشروطة فنقول هكذا ( سابقا - أي حالة العنبية - كانت هناك حرمة للعصير العنبي إن غلى والآن نشك أن الحرمة المشروطة هل هي ثابتة في حالة الزبيبية أو لا ) فالمستصحب إذن ليس هو الحرمة الفعليّة بل الحرمة المشروطة على تقدير الغليان.
 وجوابه:- إن الحرمة المشروطة أمر انتزاعي عقلي فإن العقل بعد أن يعرف أن الحرمة ثابتة للعصير العنبي المغلي هو ينتزع ويتصرف ويثبت حرمةً للعصير إن غلى ، وعلى هذا الاساس تكون هذه الحرمة المشروطة ليست هي مجعولة من قبل الشارع وأنما العقل ينتزعها بعد أن يجعل الشارع الحرمة للعصير العنبي المغلي.
 الاحتمال الرابع:- أن يكون المستصحب هو السببية - أي سببية الغليان للحرمة - ، وهذا الاحتمال قد تبناه الشيخ الاعظم(قده) في الرسائل فإنه بعد أن انسدّت عليه الابواب لجأ الى هذا الباب وقال إذا كانت الحرمة المشروطة لا يمكن استصحابها فيمكن استصحاب السببيّة فكانت هناك سببية سابقاً - أي الغليان كان سبباً للحرمة - والآن في حالة الزبيبية نشك فنستصحب بقاء السببيّة ، هذا ما ذكره الشيخ في الرسائل وتبناه الآخوند في الكفاية.
 وفيه:- إن السببيّة التي تستصحب هل هي السببيّة على مستوى على الجعل - أي جعل السببية هو الذي يستصحب - أو هي السببيّة الفعليّة بنحو المجعول ؟ فإن كان يقصد الاول فيرد عليه ما أوردناه على الاحتمال الاول - يعني أن جعل السببيّة نحن لا نشك في نسحه ولا نحتمل نسخة حتى يستصحب وانما نشك في امتداد وسعة المجعول لا في بقاء الجعل ونسخه - وإن كان المقصود هو استصحاب السببيّة على مستوى المجعول والسببيّة الفعليّة فمن الواضح أن السببيّة الفعليّة فرع تحقّق السبب - أعني الغليان بالفعل فإن الغليان اذا تحقق بالفعل تحققت السببية الفعلية - بيد أن المفروض هو أن الغليان لم يتحقق بنحو الفعليّة فسببيّة فعليّة غير متحققة . إذن نفس ما أوردناه على استصحاب الحرمة يأتي على استصحاب السببيّة فكما قلنا بلحاظ استصحاب الحرمة أن المقصود هل هو استصحاب عدم جعل الحرمة وهذا لا معنى له اذ لا نحتمل النسخ أو المقصود هو استصحاب الحرمة الفعليّة وهذا لا معنى له أيضاً لأن الحرمة ليست فعليّة في السابق حسب الفرض إذ لم يتحقق الغليان ، فنفس هذا الذي أوردناه على الحرمة يأتي على استصحاب السببيّة من دون أي اختلاف.
 وإن شئت قلت بصيغة أو بروحٍ أخرى:- إن السببيّة لا واقع لها فالشارع لا يجعل سببيّة ولا يقول ( جعلت الغليان سبباً لحرمة العصير ) كلا إن هذا ليس موجوداً ولا يستعين الشارع بمثل هذه الالفاظ وإنما العقل ينتزع السببيّة من جعل الحرمة للعصير إن غلى ، يعني حينما يقول الشارع ( العصير العنبي المغلي حرام ) فيأتي العقل ويقول ( إذن الغليان سبب للحرمة ) ومعه يكون المدار على ذاك الذي جعله الشارع - أعني الحرمة إن غلى - وتلك كما قلنا لا يمكن استصحابها إذ على مستوى الجعل لا نشك فيه وعلى مستوى الحرمة لا يوجد حكم فعليّ وعلى مستوى الحكم المشروط قلنا هو انتزاع عقلي ، وعلى هذا اساس يكون استصحاب السببيّة غير ممكن لأنها أمرٌ عقليّ منتزعٌ من جعل الحرمة في حالة الغليان ومعه فالاستصحاب يكون لتلك الحرمة التي هي منشأ الانتزاع لا لنفس السببيّة ويرد حينئذٍ ما أشكلناه سابقاً على استصحاب الحرمة . هذا توضيح ما أفاده العلمان(قده) .
 وخلاصة ما ذكر في هذا الوجه:- هو أن المستصحب إما الجعل والمفروض أنه لا شك في بقائه لعدم احتمال النسخ ، أو المجعول بمعنى الحكم الفعلي والمفروض أنه لم يتحقق سابقاً ، أو هو الحكم المشروط والمفروض أنه انتزاعٌ عقليٌّ لم يجعله الشارع ، أو هي السببيّة وهي بمعنى الجعل لا شك في بقائها وبمعنى المجعول - أي السببيّة الفعليّة - لا ثبوت لها سابقاً فتستصحب.
 وأجيب عنه بعدة أجوبة:-
 الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ(قده) في الرسائل [1] وهكذا تبعه تلميذه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية [2] فإنهما ذكرا في رد صاحب المناهل ووالده وقالا إنه لا يوجد شيء حتى يستصحب إذ الذي له وجود هو الحرمة عند الغليان والمفروض هو لم يغلِ فالحرمة لا وجود لها فكيف تستصحب ما لا وجود له !!
 والشيخ الاعظم(قده) في ردّه ذكر وقال:- أننا نستصحب الحرمة المشروطة وهي نحوٌ من الوجود غايته بمرتبٍ أخفّ فالحرمة المشروطة ليست عدماً بل هي نحوٌ من الوجود فنستصحبها ولا يوجد إشكال فلعله في مقامنا أيضاً يمكن أن نردّ على الشيخ النائيني والسيد الخوئي بأن يقال لهما إنا نستصحب الحرمة المشروطة فإن لها نحواً من الوجود فيجري استصحابها.
 وأضاف الشيخ الخراساني(قده) وقال:- إن الحرمة المشروطة كيف لا يكون لها نحو من الوجود والحال أنها مدلول للخطاب ومتعلق للخطاب ومتعلق الخطاب لابد وأن يكون هو الوجود !!
 والجواب عن ذلك واضح فنقول:- الوجود المشروط ليس نحواً من الوجود بحيث تترتب عليه الآثار ويكون مجرىً للاستصحاب وهل ترى أن الانسان يفرح بالوجودات المشروطة فأنا لو كنت أدرس لكنت المرجع الأعلى مثلاً فهل هذا له حظّ من الوجود بحيث أفرح بذلك وان كان لم اصير مرجع اعلى بنحو الوجود التام بل بمقدار من الوجود يلزم ان افرح بذلك ؟! ولو كنت ابن التاجر الفلاني لكنت ثرياً ولو كنت ابن العلامة الحليّ لكنت نسخة بدل عن فخر المحققين مثلاً ، هذه كلها وجودات مشروطة وهل هي منشأ للأثر ويفرح بها العقلاء ويرتبون عليها الاثر ؟ كلا ثم كلا ومن يفرح بذلك ويرتب عليه الاثر فهذا خارج عن دائرة العقلاء إذ العقلاء ليسوا كذلك . إذن هذا يكشف عن أن الوجود المشروط ليس نحو من الوجود حتى بدرجةٍ مخففّةٍ فهذه المقالة التي صدرت من الشيخ الأعظم والشيخ الخراساني غريبة . ولو سلمنا أن هذا الوجود المشروط هو مرتبة من الوجود ولكن تأتي مناقشة الشيخ النائيني(قده) حيث يقال إن هذا الوجود المشروط حسب الفرض هو ليس مجعولاً من قبل الشارع وإنما هو أمر انتزاعي عقلي والاستصحاب إنما يجري فيما هو مجعول من قبل الشارع . اذن حتى لو سلمنا أن هذه الحرمة المشروطة هي نحوٌ من الوجود ولكن لا يتمّ ما أفاده(قد) لأجل ما أشار اليه الشيخ النائيني(قده).
 وأما بالنسبة الى ما أضافة صاحب الكفاية - من أنه كيف لا تكون الحرمة المشروطة نحو من الوجود والحال هي مدلول للخطاب ؟! - فيرد عليه:- إن متعلق الأحكام ليس هو الوجود كما تقدّم في أبحاث سابقة وإنما هي المفاهيم الذهنيّة الملحوظة بما هي عين الخارج وإلا فالوجود لا يمكن أن يتعلق به الحكم لأن الحكم هل يتعلق بالوجود بعد تحققه فيكون المورد من طلب تحصيل الحاصل إذ الوجود حاصل فلا معنى لطلبة ، وإذا فرض أنه تعلّق به قبل تحققه فهذا معناه أن الحكم لم يتعلّق بالوجود . فإذن متعلق الأحكام ليست هي الوجودات.
 وإذا دافع الشيخ الخراساني عن نفسه وقال:- إني لا أقصد أن الأحكام بأنها تتعلق بالوجودات وإنما مقصودي هو أن مداليل الخطاب والكلام لابد وأن يكون لها وجودٌ وإلا فمدلول الكلام لا يمكن أن يكون عدماً فنظري ليس الى جنبة تعلّق الأحكام وإنما هو الى أن مداليل الألفاظ وأنه لابد وأن تكون أموراً موجودةً لا أموراً معدومة.
 وجوابه:- إن مدلول الكلام لابد وأن يكون له حظ من الوجود ولو الذهني أما الوجود الخارجي فلا يلزم في مدلول الكلام والخطاب ، وعلى هذا الأساس ما أفاده الشيخ الاعظم والخراساني قابل للتأمل لما أشرنا اليه.


[1] تراث الشيخ الانصاري ( الرسائل)، تسلسل26، ص223.
[2] كفاية الاصول، الخراساني، ص411، آل البيت.